<TABLE id=table15 dir=rtl cellSpacing=0 cellPadding=0 width="95%" border=0>
<TR>
<td vAlign=center width="100%">
مكة المكرمة بيئة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها - حرسها الله ورعاها - قديمة، تاريخها غامض، يذكر أن أول ما عرف عنها أنها كانت تقع في القديم في طريق القوافل العربية وغير العربية التي تعبر الطريق، وهي قاصدة فلسطين وما جاورها من البلاد، أو آتية منها إلى اليمن، أو متجهة إلى الشرق.
وقد كانت القوافل تلجأ إليها للراحة بسبب ما كان فيها من العيون، ولم يكن العمران قد انتظم فيها، فكان رجال القوافل يجعلون فيها مضارب لخيامهم للراحة، ولتبادل السلع، وبهذا كانت محلة للتجارة.
ومن المرجح أن إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - أول من اتخذها مقاما وسكنا، بعد أن كانت محلة للتجارة يقع فيها التبادل بين القوافل الآتية من الجنوب والمنحدرة من الشمال.
على أنه يمكن أن نقول بأنها اتُخذت مقاما للعبادة قبل أن يجيء إليها إسماعيل عليه السلام، ويقيم بها، بزمن طويل، ويلمح هذا من الآية الكريمة التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في قوله سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم: 37)، إذ يفهم من هذه الآية أن البيت كان موجودا قبل أن يفد إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - إلى مكة.
ومكة بلدة مكرمة ومقدسة منذ بدء الخليقة، وإلى أن تقوم الساعة، وذهب الناس في تعليل هذا الشرف والفضل إلى كثير من الأسباب حتى قيل: إن الله شرفها لأنها نقطة منتصف الأرض، وإلى هذا أشار أحد العلماء المصريين في استخدامه للكومبيوتر للدراسات القرآنية في أمريكا، ومن دراسته لمقاييس الكرة الأرضية، فقال: (إن مكة قلب الأرض؛ فلو تصورنا أن الأرض إنسان لوجدنا أن مكان مكة موضع القلب بالنسبة له).
وورد قديما للعلامة القاضي أبي زيد الدبوسي المتوفى عام 413 من الهجرة في مخطوطته النادرة المسماة (الأمد الأقصى) قوله في مكة المكرمة - مقررا نفس المعنى بصورة أخرى - قال: (فهي أم القرى، وبمنزلة الرأس من الجسد لسائر الدنيا، فأول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا، وأول جزء ظهر من الأرض تلك البقعة، كما يظهر أول شيء من الإنسان رأسه عند الوقفة.. وبهذا - والله أعلم - سمت مكة (أم القرى)، كما يسمى موضع الدماغ أم الرأس، ولأن مرجع الولد إلى أمه أو منها كان المبدأ، ومرجع البدن الرأس ومرجع القرى إلى مكة، ومنها الابتداء).
كان الحرم آمنا، يأمن من التجأ إليه إلا إذا تعدى فيه بما أوجب حدا.
وقالوا في تسميتها مكة - وهو المشهور من أسمائها[1] -: لأنها تمُكّ الجبارين، أي تذهب شدتهم؛ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (الفتح: 24).
وقيل: لأنها تمُكّ الفاجر، أي: تخرجه منها[2].
وقيل أيضا: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول: لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمُكّ فيه، أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا كانوا بها.
وقيل: سميت بهذا الاسم لأنها تمكّ الذنوب، أي: تذهب بها كما يمُكّ الفصيل ضرع أمه، فلا يبقى فيه شيء.
وأيضا من أسمائها (بكة)، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران: 96)..
وقال بعض الإخباريين: إنه بطن مكة.
وتشدد بعضهم فقالوا: بكة موضع البيت، ومكة ما وراءه.
وقال آخرون: لا، والصحيح البيت مكة، وما والاه بكة.
ومن أسمائها (الباسة) لأنها تبس: أي تحطم الملحدين، وقيل: تخرجهم.
وأيضا تسمى (أم القرى)؛ إذ يقول المولى جل وعلا: { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (الشورى:7).
وتسمية مكة بأم القرى، وملاحظة معنى الأمومة في رجوع أبنائها إليها، يتفق تماما مع الجيان القرآني في قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} (البقرة: 125).
فإليه يثوب جميعا كما يثوب الأبناء إلى أمهم، ويأمنون يجوارها، ومكة أم العالم وقلبه ورأسه، وهي كل ما تعطيه الأمومة والأولية من معان هي العالمية التي اصطبغ بها دين الإسلام[3].
وتسمى البلد الأمين؛ قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} (التين: 1، 2)، والبلد الأمين هو مكة المكرمة.
ويأمر الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} (النمل:91).
فأي تشريف أعظم من هذا، فلقد خصها الله سبحانه وتعالى بالذكر، وأضافها إليه؛ فهي أحب البلاد إليه سبحانه وتعالى، وأكرمها عليه، وإشارته جل وعلا إليها إشارة تعظيم، فهي موطن بيته، ومهبط وحيه، ويكفي مكة فخرا على غيرها أن أقسم المولى سبحانه وتعالى بها؛ فقال جل من قائل: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَ
</TD></TR></TABLE>