ابراهيم المحمدى Admin
عدد المساهمات : 182 تاريخ التسجيل : 16/07/2010 العمر : 57 الموقع : ابراهيم المحمدى
| موضوع: محبة الله عزّ وجلّ: الثلاثاء يوليو 27, 2010 9:01 pm | |
| محبة الله عزّ وجلّ: - اقتباس :
- المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات. فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها، كالشوق والأنس والرضا، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدّماتها: كالتوبة، والصبر، والزهد وغيرها.
وأنفع المحبّة على الإطلاق وأوجبها، وأعلاها، وأجلها، محبّة من جبلت القلوب علىمحبّته، وفطرت الخليقة على تأليهه، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة،والإجلال، والتعظيم، والذل له، والخضوع، والتعبد، والعبادة لا تصلح إلا له وحده،والعبادة : هى كمال الحب مع كمال الخضوع والذل.
والله تعالى يُحَبّ لذاتهمن جميع الوجوه، وما سواه فإنما يحب تبعاً لمحبته، وقد دلّ على وجوب محبته سبحانهجميع كتبه المنزلة، ودعوة جميع الرسل، وفطرته التي فطر عباده عليها، وما ركّب فيهممن العقول، وما أسبغ عليهم من النعم، فإن القلوب مفطورة مجبولة على محبة من أنعمعليها، وأحسن إليها، فكيف بمن كلّ الإحسان منه، وما بخلقه جميعهم من نعمة فمنه وحدهلا شريك له، كما قال تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ).
وماتعرف به إلى عباده من أسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وما دلّت عليه آثار مصنوعاته منكماله ونهاية جلاله وعظمته.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُمِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْأَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ).
وقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِياللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَأَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَلَوْمَةَ لآئِمٍ).
وقد أقسم النبي – صلىالله عليه وسلم - إنه: (لا يؤمن عبد حتى يكون هو أحب إليه من ولده، ووالده، والناسأجمعين)، الحديث متفق عليه من حديث أنس.
وقال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (لا حتى أكون أحبَّ إليكمن نفسك). متفق عليه، أي لا تؤمن حتى تصل محبتك إلى هذه الغاية.
وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم - أولى بنا من أنفسنا في المحبّة ولوازمها، أفليس الربّ جل جلالهأولى بمحبته وعبادته من أنفسنا؟.
وكلّ ما منه إلى عبده يدعوه إلى محبته ممايحب العبد ويكره، فعطاؤه ومنعه، ومعافاته، وابتلاؤه، وقبضه وبسطه، وعدله،وفضله،وإماتته وإحياؤه، وبرّه ورحمته وإحسانه وستره، وعفوه وحلمه، وصبره على عبده،وإجابته لدعائه، وكشف كربه وإغاثة لهفته وتفريج كربته، من غير حاجة منه إليه، بلمع غناه التام عنه من جميع الوجوه، كل ذلك داعٍ للقلوب إلى تأليهه ومحبته، فلو أنمخلوقاً فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته، فكيف لا يحب العبد بكلقلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس مع إساءته؟
فخيره إليهنازل، وشرّه إليه صاعد، يتحبب إليه بنعمه وهو غني عنه، والعبد يتبغض إليه بالمعاصي،وهو فقير إليه- فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته، ولا معصية العبدولؤمه يقطع إحسان ربه عنه.
وأيضاً: فكل من تحبّه من الخلق ويحبّك إنما يريدكلنفسك، وغرضه منك، والله سبحانه وتعالى يريدك لك.
وأيضاً: فكلّ من تعامله منالخلق إن لم يربح عليك لم يعاملك، ولا بد له من نوع من أنواع الرّبح، والرّبّ تعالى إنّمايعاملك لتربح أنت عليه أعظم الربح وأعلاه، فالدِّرهم بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعفإلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة وهى أسرع شيء محواً.
أيضاً: فهو سبحانهخلقك لنفسه، وخلق كل شيء لك في الدنيا والآخرة، فمن أولى منه باستفراغ الوسع فيمحبّته، وبذلك الجهد في مرضاته
وأيضاً: فَمطالبك - بل مطالب الخلق كلهمجميعاً - لديه، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق مايؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، يسأله مَنْ فيالسموات والأرض كل يوم هو في شأن، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل،ولا يتبرم بإلحاح الملحين في الدعاء، ويحب أن يُسأل ويغضب إذا لم يُسأل، ويستحي منعبده حيث لا يستحي العبد منه، ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه،ودعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه فأبى، فأرسل رسله في طلبه، وبعثإليه معهم عهده، ثم نزل إليه سبحانه بنفسه، وقال: (من يسألني فأعطيه، من يستغفرنيفأغفر له).
وكيف لا تحبّ القلوب من يأتي بالحسنات إلاّ هو، ولا يجيبالدعوات ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات، ويغيثاللهفات، وينيل الطلبات سواه ؟
فهو أحقّ من ذُكر، وأحق من شُكر، وأحق من عُبد،وأحق من حُمد، وأنصر من ابتغى، وأرأف من مَلك، أجود من سُئل، وأوسع من أَعطى، وأرحم مناسترحم، وأكرم من قُصد، وأعزّ من
التجئ إليه، وأكفى من توكل عليه، وأرحم بعبده منالوالدة بولدها، وأشد فرحاً بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامهوشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة ثم وجدها، وهو الملك لا شريك له، والفردلا نِدّ له، كل شيء هالكٌ إلى وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يُطاعفيشكر، وبتوفيقه ونعمته أطيعَ، ويعصى فيعفو ويغفر وحقه أضيع، فهو أقرب شهيد، وأجَلّحفيظ، وأوفى بالعهد، وأعدل قائم بالقسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتبالآثار، ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب لديه مكشوف، وكلأحد إليه ملهوف، وعنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت العقول عن إدراك كنهه، ودلت الفِطَروالأدلّة كلها على امتناع مثله وشبهه، أشرقت لنور وجهه الظلمات، واستنارت له الأرضوالسماوات، وصلحت عليه جميع المخلوقات، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسطويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور ولوكشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
ومحبة الله عز وجل هيحياة القلوب، وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذة ولا نعيم ولا فلاح ولا حياة إلا بها،وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدتسمعها، بل فساد القلب- إذا خلا من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحق - أعظم من فسادالبدن إذا خلا من الروح، وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة، وما لجرح بميتإيلام.
الآثار:
قال فتح الموصلي: (المُحِبّ لا يجد للدنيا لذة، ولا يغفلعن ذكر الله طرفة عين)، وقال بعضهم: (المحب طائر القلب، كثير الذكر، متسبّبإلى رضوانه بكل سبيل يقدر عليها من الوسائل والنوافل دأباً وشوقاً).
وأنشدبعضهم:
وكن لربك ذا حب لتخدمه إن المُحِبّين للأحباب خُدّامُ
وأوصتامرأة من السّلف أولادَها فقالت لهم: (تعّودوا حبّ الله وطاعته، فإن المتقين ألفوابالطاعة فاستوحشت جوارحهم من غيرها، فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرّت المعصية بهممحتشمة فهم لها منكرون).
وأنشد ابن المبارك :
تعصى الإله وأنت تزعمحبّههذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبّك صادقا لأطعتـــه إنّ المحبّ لمن يحب مطيــع
| |
|